متابعة - شبكة قُدس: اختتم السباق على رئاسة بلدية نيويورك، أكبر مدن الولايات المتحدة، فجر الأربعاء، بإعلان فوز المرشح التقدمي ذو التوجهات المناهضة لـ”إسرائيل” زهران ممداني، بعد فرز غالبية الأصوات في الانتخابات التي حظيت بمتابعة واسعة. وبحسب النتائج شبه النهائية، وبعد فرز نحو 90% من الأصوات، تقدّم ممداني بنحو 8% على المرشح أندرو كومو، فيما أقرّ كل من كومو والمرشح الجمهوري كرتس سيلوَا بخسارتهما وألقيا كلمات تهنئة للفائز.
وقال ممداني في خطاب النصر أمام آلاف من أنصاره المحتفلين: “نيويورك منحتنا الليلة تفويضًا للتغيير. طوال عشرة أشهر تجرأنا على الحلم بمكانٍ أفضل، وها نحن نحققه رغم كل الصعاب. المستقبل بأيدينا، لقد أسقطنا سلالة سياسية قديمة، ويمكنني أن أرى فجر يومٍ جديد للإنسانية”.
كما وجّه ممداني انتقادًا مبطنًا لمنافسه كومو قائلاً إنه يأمل أن تكون “هذه المرة الأخيرة التي أذكر فيها اسمه”. أما كومو، فقد ألقى كلمة اعترف فيها بالهزيمة ودعا أنصاره إلى احترام خصمه، فيما وجّه المرشح الجمهوري سيلوَا تحذيرًا حادًا، قائلاً: “إذا حاولت القيادة الجديدة فرض الاشتراكية أو إضعاف الشرطة أو المساس بالأمن العام، فسنصبح أعداءها الأشدّ”.
ونشرت كبرى وسائل الإعلام الأميركية خبر فوز ممداني مصحوبًا بمقطع مصوّر له يقول فيه عبر حسابه على المنصات الرقمية: “المحطة التالية والأخيرة: مبنى بلدية نيويورك”. كما هنأته حاكمة الولاية كاثي هوكول قائلة إنها تتطلع إلى “العمل معه لجعل المدينة أكثر عدلاً وأقل تكلفة للعيش”.
وأظهرت نتائج استطلاع أجرته شبكة CNN أن 38% من الناخبين في نيويورك قالوا إن مواقف المرشحين من “إسرائيل” شكّلت عاملاً رئيسيًا في تصويتهم. هذه الأرقام تعكس، وفق محللين، الحضور القوي للقضية الفلسطينية في قلب السياسة الأميركية الداخلية.
بالتوازي مع هذا الفوز، سجّل الحزب الديمقراطي سلسلة من الانتصارات في ولايات أخرى: فقد فازت أبيغيل سبانبرغر بمنصب حاكمة ولاية فيرجينيا، وتغلبت ميكي شيريل في نيوجيرسي على منافسها الجمهوري المدعوم من ترامب، فيما حافظ الديمقراطيون على أغلبيتهم في المحكمة العليا لولاية بنسلفانيا.
ويرى مراقبون أن هذه النتائج تمثّل مؤشراً على تراجع التأييد الشعبي للرئيس دونالد ترامب مع بداية ولايته، إذ شارك بشكل مباشر في الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري. ويخشى الجمهوريون أن تكون هذه الهزائم نذيراً لاتجاهٍ سلبي قبيل انتخابات منتصف الولاية المقرّرة العام المقبل.
الرئيس الأسبق باراك أوباما كتب على منصة “إكس”: “ما زال أمامنا الكثير من العمل، لكن المستقبل يبدو اليوم أكثر إشراقاً”.
أما زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر فقال إن نتائج الليلة “ترمز إلى رفض أجندة ترامب، وإدانة القسوة والفوضى والجشع التي ميّزت تطرف حركة MAGA”.
في المقابل، علّق ترامب على الهزائم الجمهورية عبر منصة Truth Social قائلاً إن “غياب ترشحه الشخصي” و”الجمود الحكومي” هما السببان الرئيسيان لخسارة الجمهوريين، فيما نشر البيت الأبيض منشورًا ساخراً مستلهماً شعار فريق كرة السلة النيويوركي الذي استخدمه ممداني سابقًا في حملته الانتخابية، كُتب عليه: “أنا رئيسكم”.
ولد ممداني (34 عاماً) في أوغندا وهاجر إلى نيويورك في السابعة من عمره. بدأ نشاطه السياسي خلال دراسته الجامعية حين أسّس نادياً طلابياً مؤيداً لفلسطين، قبل أن يعمل في مجال الموسيقى، ثم في قضايا الإسكان العام، إلى أن انتُخب عام 2019 عضواً في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك.
اليوم، يحقق ممداني أحد أكبر الإنجازات السياسية في مسيرته، إذ فاز بمنصب رئيس بلدية نيويورك على أساس برنامج اشتراكي يدمج بين العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويتبنى مواقف رافضة لسياسات “إسرائيل”.
وخلال حملته، رفض الاعتراف بـ”إسرائيل” كدولة يهودية، وأعلن أنه “سيعتقل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إذا زار المدينة”، وأعرب عن دعمه لمبادرات سياسية وشعبية رافضة لـ”إسرائيل”.
ورغم التقدم الواضح الذي أظهرته استطلاعات الرأي لصالحه في الأسابيع الأخيرة، فقد جاء فوز ممداني في ظل حملة تحريض شرسة من جهات مؤيدة لـ”إسرائيل” داخل الولايات المتحدة، خصوصًا في نيويورك التي تُعد مركزًا ماليًا وإعلاميًا رئيسيًا لنفوذ جماعات الضغط الإسرائيلية. وحذّرت وسائل إعلام مقربة من اللوبي الإسرائيلي من أن انتخابه “سيضر بالعلاقات مع الحلفاء في الشرق الأوسط”. كما انضم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى موجة التحريض، مهددًا بتقليص الدعم الفدرالي لمدينة نيويورك “إلى الحد الأدنى” إذا تبنّت إدارتها الجديدة ما وصفه بـ”النهج اليساري المتطرف المعادي للمصالح القومية”.
ومع ذلك، تمكّن ممداني من تجاوز هذه الضغوط بفضل قاعدة جماهيرية شبابية واسعة، اعتبرت حملته “ثورة مدنية” ضد هيمنة رأس المال السياسي ونفوذ جماعات المصالح، ليصبح أول رئيس بلدية مسلم وأفريقي المولد في تاريخ المدينة، ورمزًا لتحوّلٍ عميق في المزاج السياسي الأميركي تجاه قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب المقهورة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية



